إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، نوفمبر 26، 2013

محاربة الفقر في مصر: مقاربة مختلفة


محاربة الفقر في مصر: مقاربة مختلفة 
  
لو كان الفقر رجلا لقتلته ، مقولة تتردد على ألسنة الكافة تحذيرًا من مخاطر الفقر وتداعياته على استقرار المجتمعات ونهضتها، ورغم ذلك ما
 زالت الإحصاءات والبيانات الواردة من الجهات الرسمية تكشف عن خطورة متزايدة لمعدلات الفقر والبطالة فى المجتمع المصرى 
ففى تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صادر فى نوفمبر عام 2012 أن نسبة الفقراء على مستوى الجمهورية بلغت 25.2% خلال العام 2010-2011. وسجلت الأسر التي يعولها الرجال نسبة فقر أعلى من تلك التي يعولها النساء، حيث بلغت نسبة الفقر لدى الأسر التي يرأسها رجال 22.4%، مقابل 2.8% للأسر التي يرأسها نساء، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل جاء فى التقرير العربى الأول حول معلومات سوق العمل الصادر عن منظمة العمل العربية أنه في بداية عام 2013، ارتفعت نسبة البطالة في مصر إلى 13%، مقارنة
 بـ 9.8 % قبل ثورة 25 يناير، وزادت أعداد العاطلين إلي ما يزيد على الـ3.5 ملايين عاطل، مقارنة بنحو 2.3 مليون عاطل قبل الثورة 

ولا شك أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تزداد سوءًا فى ظل حالة عدم الاستقرار السياسى والاضطراب الأمنى التى تعيشها البلاد اليوم 
ودون الدخول فى أسباب ذلك وتداعياته المختلفة، نصبح إزاء ضرورة ملحة أو فريضة واجبة فى البحث عن آليات لمواجهة الارتفاع المستمر فى معدلات الفقر والبطالة 
ولعل ما قامت به القوات المسلحة بالتنسيق مع مؤسسة مصر الخير مؤخرًا بسداد المبالغ المالية المستحقة على 320 غارمًا وغارمة من المحبوسين على ذمة قضايا العجز عن سداد الأقساط وإيصالات الأمانة وتسوية الأحكام القضائية النهائية الصادرة بشأنهم، يبعث برسالة مهمة إلى كافة أجهزة الدولة وهيئاتها ومؤسسات المجتمع المدنى وتنظيماته بضرورة التكاتف والتعاون من أجل رفع العبء عن كاهل المواطنين ومعدومي الدخل، بما يتطلب البحث عن مقاربة جديدة فى كيفية التعامل مع أزمة الفقر فى مصر فى ضوء الاستفادة من تجارب دولية أخرى سبقتنا إليها بعض البلدان، كفكرة ببنك "جرامين" فى بنجلاديش أو ما يحلو للبعض تسميته ببنك الفقراء تلك التجربة التى نقلتها بعض البلدان العربية مثل البحرين (بنك الأسرة 2007) ، والسعودية عام 2007 أيضاً، وربما يكون فى تاريخنا المعاصر نماذج حية نستلهم منها آليات التحرك كما حدث على سبيل المثال فى ستينيات القرن المنصرم بشأن دور بنك القرية وبنك ناصر الاجتماعى بما يؤكد أن الدور الاجتماعى للبنوك لم يكن غائبًا عن التجربة المصرية، بل من المهم أيضًا أن نستلهم من خبراتنا الإسلامية التى تقدم لنا زادًا ما زلنا نفتقد الكثير منه، ولعل الدور الذى لعبه مفكرو الاقتصاد الإسلامى فى أثناء الأزمة المالية العالمية 2008-2009 يقدم مثالاً بارزًا فى هذا الخصوص 

ماذا يعنى كل ما سبق؟ يعنى أننا فى حاجة إلى مقاربة جديدة وطرائق تفكير مختلفة وأطر عملية متباينة لمعالجة مشكلة الفقر فى مصر، صحيح أن ثمة محاولات عديدة عرفتها مصر فى هذا الصدد وتركزت أغلبها فى إقامة مؤسسات مالية تمنح قروضًا لصغار المواطنين على شاكلة بنك القرية وبنك ناصر كما سبق الإشارة وكذلك الصندوق الاجتماعى للتنمية، إلا أنه من الصحيح أيضًا أن هذه المؤسسات فشلت فى القضاء على الفقر، بل ربما كانت من أهم عوامل تفاقمه لعدة أسباب منها: غياب الخبرة المطلوبة لنجاح المشروعات المتناهية فى الصغر لدى القائمين عليها من جانب، وعدم توافر الخبرة لدى المؤسسات الممولة لهذه المشروعات من  جانب آخر. غياب العمل الجماعى كهدف بدونه تنهار أركان العدالة الاجتماعية اللازمة للحفاظ على النظام العام، فكما هو فى تجربة بنك الفقراء سابق الاشارة إليه، حيث تقوم فلسفة العمل فيه دعم الروابط الاجتماعية، وذلك عندما يتكئ في صلب نظامه على "المجموعة" و"المركز" وهي تكوينات من أفراد المجتمع المحليين المتقاربين وقد اختار بعضهم بعضًا، حيث يقوم البنك بتنمية الوعي الاجتماعي بمشاكل المجتمع، أي الإحساس الاجتماعي بالآخرين، فضلاً عن دوره فى تحسين نوعية حياة الإنسان ذاته عبر تغيير الأفكار والمفاهيم وبث روح الثقة بالنفس، وهو ما يتناقض كلية فى تجربتنا مع الصندوق الاجتماعى للتنمية 

خلاصة القول، إن معالجة مشكلة الفقر فى مصر تتطلب من الأطراف كافة تغيير منطلقات تفكيرهم والبحث عن آليات تتناسب مع ظروف المجتمع المصرى وثقافته وتسهم فى خلق فرص ذاتية لموارد العمل الضخمة سواء منها غير المستغلة أم المستغلة بشكل غير كفء، فعلى الحكومة أن تتخلى عن نظرتها الفردية فى أداء مهمتها ودورها الاجتماعى الذى لا تقبل أن يشاركها فيه غيرها، لتفسح المجال للمشاركة المجتمعية سواء من خلال الدور الاجتماعى لرأس المال المستثمر أو من خلال المؤسسات الأهلية صاحب الدور فى هذا الشأن، وهو ما يتطلب بدوره تعديلات تشريعية وتغييرات اجتماعية هذه من ناحية. ومن ناحية ثانية يجب على مؤسسات التمويل المختلفة كالبنوك وخلافه، أن تغير فلسفتها القائمة على تقديم خدماتها فقط للأغنياء الذين لا يحتاجون إلى المساعدة، لأن الواقع المصرى الذى يعانى أغلبه من الفقراء يؤكد أنهم المحتاجون فعلاً إلى القروض للنهوض بحياتهم، فكيف تقدم القروض للأغنياء والشعب فى سواده الأعظم فقير؟
بما يستوجب تغيير هذه المؤسسات لأساليب عملها حتى تقدم خدماتها لجميع شرائح المجتمع أخذًا فى الاعتبار أن هذه القروض هى قروض حسنة بدون أية فوائد 
ومن ناحية ثالثة، يجب على الخبراء والأكاديميين الاقتصاديين أن يدركوا دورهم ومسئولياتهم الحقيقية، فمن غير المقبول أن يعيش هؤلاء فى جزر معزولة فى محارب العلم ينالون أعلى الدرجات على أبحاثهم ودراساتهم وينسون احتياجات المجتمع الذى يعيشون فيه ومشاركته لهم فيما يتوصلون إليه من نتائج وأبحاث، ولعل تجربة البروفسور محمد يونس صاحب فكرة بنك جرامين فى بنجلادش نموذجًا عن دور الأكاديمى فى خدمة المجتمع 

فضلاً عن ذلك، يبقى دور مهم على المجتمع لتغيير ثقافته فى التعامل مع قضية الفقر والنظر إليها بأنها مسألة إرادة لدى ذلك الشخص الذى يعانى من الفقر، فكثيرًا ما ننظر إلى مساعدتنا للفقراء من منطلق دينى أو اجتماعى، فنلجأ إلى منحهم الصدقات والحسنات، وهو ما يغفل الفهم الصحيح للمشكلة وبالتالي إيجاد حل لها، فالصدقات أضحت وسيلة لأن نقوم بالتخلي عن مسئولياتنا الاجتماعية نحو الفقراء, ولكن لابد أن نعي جيدًا أن الصدقات ليست حلاً لمشكلة الفقر وإن ساهمت فى تخفيف وطأتها، بل حل المشكلة يتمثل فى العمل على تمكين هؤلاء الفقراء من المبادرة لتغيير نمط حياتهم نحو الأفضل، فلا بد للفقير أن يشارك في حل مشكلته ولا ينتظر مساعدات المحسنين فقط، فكل إنسان قادر على أن يدير عملاً سواء كان فقيرًا أو أميًا أو امرأة. نهاية القول إن مواجهة مشكلة الفقر مسئولية مجتمعية يتشارك فيها الجميع حكومة بأجهزتها 
المختلفة، رجال الأعمال بمؤسساتهم والأكاديميين بأفكارهم وأبحاثهم، والمجتمع بأسره، وإلا ظللنا ندور فى حلقة مفرغة لا نستطع الفكاك منها

ليست هناك تعليقات:

استضافة الإعلانات

ادفع لمديرإدارةالمدونة مبلغ (( 20.00 $ )) وأرسل التصميم على الميل anwo_neanaa@yahoo.com للاستفسارات اتصل بالرقم 00201022238227